الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مصالحة قرعوية لأبي المعالي. قد تقدم لنا استبداد قرعوية بحلب سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وخروج أبي المعالي ابن سيف الدولة منها وأنه لحق بأمه بميافارقين ثم رجع لحصار قرعوية بحلب ثم رجع إلى حمص ونزل بها ثم وقع الاتفاق بينه وبين قرعوية على أن يخطب له بحلب ويخطبان جميعا للمعز العلوي صاحب مصر..مسير الروم إلى بلاد الجزيرة. وفي سنة إحدى وستين سار الدمشق في جموع الروم إلى الجزيرة فأغار على الرها ونواحيها ثم تنقل في نواحي الجزيرة ثم بلغ نصيبين واستباحها ودوخها ثم سار في ديار بكر ففعل فيها مثل ذلك ولم يكن لأبي ثعلب في مدافعتهم أكثر من حمل المال إليهم وسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وجلسوا إلى الناس في المساجد والمشاهد يصفون ما جرى على المسلمين وخوفوهم عاقبة أمرهم فتقدمهم أهل بغداد إلى دار الطائع الخليفة فأرادوا الهجوم عليه فأغلقت دونهم الأبواب فأعلنوا بشتمه ولحق آخرون من أهل بغداد ببختيار وهو بنواحي الكوفة يستغيثونه من الروم فوعدهم بالجهاد وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهيز للغزو وأن يستنفر العامة وكتب إلى أبي ثعلب بن حمدان بإعداد الميرة والعلوفات والتجهيز وأنه عازم على الغزو ووقعت بسبب ذلك فتنة في بغداد من قبل اشتغال العامة بذلك أدت إلى القتل والنهب بين عصائب الفتيان والعيارين..أسر الدمشق وموته. ولما فعل الدمشق في ديار مضر والجزيرة ما فعل قوي طمعه في فتح آمد فسار إليه أبو ثعلب وقدم أخاه أبا القاسم هبة الله واجتمعا على حرب الدمشق ولقياه في رمضان سنة اثنتين وستين وكانت الجولة في مضيق لا تتحرك فيه الخيل وكان الروم على غير أهبة فانهزموا وأخذ الدمشق أسيرا فلم يزل محبوسا عند أبي ثعلب إلى أن مرض سنة ثلاث وستين وبالغ في علاجه وجمع له الأطباء فلم ينتفع بذلك ومات..استيلاء بختيار بن معز الدولة على الموصل وماكان بينه وبين أبي ثعلب. قد تقدم لنا ماكان بين أبي ثعلب وأخويه حمدان وإبراهيم من الحروب وأنهما سارا إلى بختيار بن معز الدولة صريخين فوعدهما بالنصرة وشغل عن ذلك بما كان فيه فأبطأ عليهما أمره وهرب إبراهيم ورجع إلى أخيه أبي ثعلب فتحرك عزم بختيار على قصد الموصل وأغراه وزيره ابن بقية لتقصيره في خطابه فسار ووصل إلى الموصل في ربيع سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ولحق أبو ثعلب بسنجار وأخلى الموصل من الميرة ومن الدواوين وخالف بختيار إلى بغداد ولم يحدث فيها حدثا من نهب ولا غيره وإنما قاتل أهل بغداد فحدثت فيها الفتنة بسبب ذلك بين عامتها واضطرب أمرهم وخصوصا الجانب الغربي وسمع بختيار بذلك فبعث في أثره وزيره ابن بقية وسبكتكين فدخل ابن بقية بغداد وأقام سبكتكين في الضاحية وتأخر أبو ثعلب عن بغداد وحاربه يسيرا ثم داخله في الانتقاض واستيلاء سبكتكين على الأمر ثم أقصر سبكتكين عن ذلك وخرج إليه ابن بقية وراسلوا أبا ثعلب في الصلح على مال يضمنه ويرد على أخيه حمدان إقطاعه ما سوى ماردين وكتبوا بذلك إلى بختيار وارتحل أبو ثعلب إلى الموصل وأشار ابن بقية على سبكتكين باللحاق ببختيار فتقاعد ثم سار وارتحل بختيار عن الموصل بعد أن جهد منه أهل البلد بما نالهم من ظلمة وعسفه وطلب منه أبو ثعلب الإذن في لقب سلطاني وأن يحط عنه من الضمان فأجابه وسار ثم بلغه في طريقه أن أبا ثعلب نقض وقتل بعضا من أصحاب بختيار عادوا إلى الموصل لنقل أهاليهم فاستشاط بختيار واستدعى ابن بقية وسبكتكين فى العساكر وعادوا جميعا إلى الموصل وفارقها أبو ثعلب وبعث أصحابه بالاعتذار والحلف على إنكار ما بلغه فقبل وبعث الشريف أبا أحمد الموسوي لاستحلافه وتم الصلح ورجع بختيار إلى بغداد فجهز ابنته إلى أبي ثعلب وقد كان عقد له عليها من قبل..عود أبي المعالي بن سيف الدولة إلى حلب. قد تقدم لنا أن قرعوية مولى أبيه سيف الدولة كان تغلب عليه وأخرجه من حلب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فسار إلى والدته بميافارقين ثم إلى حماة فنزلها وكانت الروم قد أمنت حمص وكثر أهلها وكان قرعوية قد استناب بحلب مولاه بكجور فقوي عليه وحبسه في قلعة حلب وملكها سنين فكتب أصحاب قرعوية إلى أبي المعالي واستدعوه فسار وحاصرها أربعة أشهر وملكها وأصلح أحوالها وازدادت عمارتها حتى انتقل إلى ولاية دمشق كما يذكر.
|